مقال/ فنى الجسم و بقى الرسم. بقلم/ خميس بن محسن بن سالم البادي

اخبار الولاية
الثالث و العشرين من يوليو للعام الميلادي(سبعين و تسعمائة و ألف) كما يعلم الجميع هو ذلك اليوم الذي انتقلت فيه بلادنا الغالية العزيزة من مرحلة غياهب التخلف و ظلام الجهل وربقة البقاء للأقوى و مرارة غربة أبنائها و ما صاحَب ذلك من ذل الحاجة و بُغض الفاقة و السؤال، التي كانت ترزح تحتها عموم البلاد حينها من جهاتها الأربع، و ذلك باعتلاء جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد- رحمه الله و أكرم مثواه و جعل الجنة مأواه- عرش الحكم في السلطنة بهذا التاريخ من ذلكم العام، الذي عقد العزم و بإصرار منه على خوض غمار تحدي الصعاب و مواجهة العقبات و تذليلها أمام رغبته الأكيدة التي لم يحيد عنها أبداً، تحقيقاً للأهداف السامية بغية الوصول إلى الغايات و النتائج النبيلة التي نشدها جلالته – رحمه الله- لعُمان و أبنائها، و نيته الخالصة الحقة بإعادة أمجاد العمانيين كما كان أجدادهم و آبائهم قبلهم و ذلك هو ما كان و تحقق على يديه بتوفيق من الله تعالى له و لله الحمد و المنّة على ذلك، و تقبّل الله عزّ و جلّ عبده السلطان الراحل عنده في جنات الخلد خالداً.و مع إيماننا المطلق بقضاء الله و قدره و يقيننا التام بأن الحياة و الموت إنما هما حقٌ لكل كائنٍ حيْ قدرهما و قضائهما بمشيئته و إرادته سبحانه و تعالى، لكن تاريخ هذا اليوم فإنه و للمرة الأولى منذ تميّزه عند العمانيين يفتقد فيه كما نحن نفتقد وجود ذلك الرجل الحنون الرحوم العطوف- رحمه الله-، نعم إننا في حالة فقد لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور آل سعيد( تغشاه رحمة مولاه جل في علاه)، و الذي أفنى جل عمره و حياته مواصلاً نهاره بليله لخدمة سلطنة عمان و أبنائها البررة الأوفياء على مدى العقود الخمسة الماضية، حيث أن لعُمان قاطبة وقفة وطنية خاصة من كل عام في اليوم الذي يصادف فيه هذا التاريخ المجيد خلال تلكم العقود التي انقضت بعمر سلطاننا الراحل- رحمه الله-، ليهل علينا هذا التاريخ اليوم و نحن نفتقد فيه من بيننا الرجل الذي كان سبباً في تمييز الثالث و العشرين من يوليو في هذا الوطن الفتيّ، حتى صارت لذة ذكريات بدء ميلاد النهضة المباركة بقدر مرارتها على القلب و النفس سواء، لأن صانعها هنا شاء الله تعالى له أن يكون في كنفه الإلهي و تحت عرش ظله الرباني بعيداً عن عالمنا هذا، و إننا لنفتقدكم يا مولاي كلجيٍّ صغير فقد الحنان و الحضن الدافئ النابع بفيض العطاء و الاحتواء.نفتقدكم مولاي و أنتم قد كنتم سبباً بعد الله تعالى في سلامتي من العلل و الأسقام التي كانت تعصف بأطفال هذا البلد المبارك لانعدام المرفق الصحي الذي يطببني و يطبب أقراني قبل مجيء جلالتكم- رحمكم الله-، نفتقدكم مولاي و قد علّمتني و غيري إجادتي نطق و لملمت الحروف و رص الكلمات و تكوين الجمل و الفقرات على السطور فوق الناصعات، مشكلاً بذلك صياغة حكائية بدفق الحبر على مسطحات القرطاس، نلتُ ذلك في وقت سبق و أن تمنى نيله قبلي جدي و أبي فلم يجداه، فصنعتم جلالتكم بذلك من أبناء هذا الوطن رجالاً و نساءً أصحاء جسداً و فكراً فأضحوا متسلحين بالعلم و المعرفة يبنون وطنهم و هم على نهجكم السامي الذي ارتضيتموه لعُمان و شعبها ماضين و بإذن الله على ذلك باقين. غادرتنا أيها السلطان الماجد الخالد و قد هيّأت لنا عز الوطن و مجده و شموخه و أرسيتم مولاي دعائم أمنه و استقراره، غادرتنا و قد لممتم شملنا فتجانس مزيجنا و تماسك نسيجنا فتمخض عنه طوداً منيفاً أشم تتحطم تحت هامته الشامخة قبح الأفعال و الأقوال التي قد تولد من جماجم رهط من غير الناضجين من هنا أو هناك نحو عُمان الخير و السلام، غادرتنا مولاي بعد أن صنعت لنا من العيش أكرمه و من الأمن أفضله، و من العزّة و الكرامة ما يحسدنا عليه الواقعين في كمائن التعاسة و الشقاء و من المكانة ما يشهده العالم اليوم من حولنا برفرفة بيرقنا الوطني على سواري الأمم في مشارق الأرض و مغاربها.مولاي السلطان قابوس ستظل خالداً بيننا كمدرسة نعرّف الأجيال القادمة عنكم و عن عظيم منجزاتكم الراسخة الشامخة بزهو و فخر و هي تعانق قمم الجبال العالية من مسندم قبضة الخنجر العمانية و بوابة الشمال العماني حارسة المضيق إلى أقصى الجنوب في ظفار، حيث تشرّبت أرضها بدماء الشرفاء الأحرار من أبناء هذا الوطن تحريراً و تطهيراً من رجس أعداء الإسلام و الأمة و حفاظاً على أمن و سلامة الوطن و وحدة أراضيه. يفتقدكم مولاي اليوم تاريخ الثالث و العشرين من يوليو لكنه يلتمس فقدكم هذا بثقة الجزم و اليقين في خلفكم – حفظه الله و رعاه- الذي ارتضيتم به ليتولى من بعدكم الأمر،، جلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المعظم،، حرصاً من جلالتكم -رحمكم الله- على مواصلة رحلة البناء و التعمير بعقل مستنير سديد الرأي، ورؤية متأنية ثاقبة و فكراً متقداً بالعطاء و الأداء ملماً من حوله في الوقت عينه (بالجيو سياسية)- الجغرافيا السياسية-، و بذلك فاعلم يا مولاي أن مكانتكم رفيعة الشأن في قلوب العمانيين كافة و أفراد أسرتكم الكريمة الموقرة خاصة، و الذين بدورهم آثروا العمل بوصيتكم المكنونة في بخشتها بلونها الذهبي المنتمي لحبيبات تراب هذا الوطن الغالي في تنصيب من أوصيتم به لقيادة شؤون البلاد، لإدراكنا جميعاً لما لعُمان و أبنائها من الحيّز الكبير في قلب و وجدان جلالتكم – رحمكم الله- و تأكيدنا جزماً أن اختياركم إنما جاء من عمق محبتكم الصادقة و بإخلاص نقي في ذاتكم نحو سلطنتنا الغالية العزيزة، فأي فقد هذا الذي يفتقدكم فيه تاريخكم المجيد اليوم و قد أبيْتم الرحيل قبل أن تجعلوا من وصيتكم السامية أماناً سامياً مؤمّناً لعُمان وشعبها لمن يتولى أمرها، فطوبى لكم مولاي جميل صنيعكم حيث أصلحتم حين أفسد البعض.نعم لقد فنى جسمكم السامي الطاهر لكن بقى رسمه العامر الخالد نستذكركم من خلاله كل لحظة و حين، نرتاد الأمكنة التي ترددتم عليها و نتلمس بقايا ذكراكم في المواقع المختلفة من هذه الأرض الطاهرة النقية الطيبة، و نعيد تكرار مشاهد لكم فيها صولات و جولات قمتم بها لأجل عُمان و شعبها، و لكن و رغم ألم الفقد وشدة الحزن على الفراق كن مطمئناً مولاي و ارقد حيث أنت بسلام، فإننا للعهد حافظين و على ما عهدتنا مستمرين و أن تاريخ الثالث و العشرين من يوليو المجيد سيبقى راسخاً متوارثاً في الذات العمانية رسوخ الجبال الراسيات الشامخات، و أن أنشودة (صوت النهضة) للأديب الراحل عبدالله بن محمد الطائي- رحمه الله- و التي من بين أبياتها البيت الذي يقول(في ثلاثة و عشرين يوليو xx قد حطّم أصفادا،،، و أزاح ظلاماً عنا xx و لِوانا بالمجد تهادا) ستظل يا مولاي تلهج بها الألسن و ترددها حنجرة كل عماني استذكاراً لقيام نهضة عُمان السامية التي بدأتم مسيرتها المباركة،، غفر الله لكم مولاي و تقبلكم جل في علاه عند أعلى عليين،، و دامت عُمان حصينة فتية ماجدة منيعة أبية شامخة تنعم بالسلام و الرخاء آمنة مطمئنة بعناية و رعاية الرحمن ثم بأبنائها البررة الأوفياء الكرام، حيث يقودها نحو مراتب العلا بإذن الله تعالى خلفكم الميمون الأمين جلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور آل سعيد(حفظه الله و رعاه و سدد على طريق الخير و الصلاح خطاه)..