#مقال / تحديات. ✒بقلم / جابر العماني

اخبار الولاية

يعُد الكثيرُ من الناس الواقعَ الذي يعيشونه بمتاعبه ومضايقاته ومشاكله المريرة مفروضًا عليهم، ويجب أن يتعايشوا معه، بينما يُؤكد القرآن الكريم أنَّ الواقع الذي يُواكبه الإنسان في أسرته ومجتمعه ووطنه هو من يتحمَّل مسؤوليته قبل أن يتحمله أحد غيره؛ سواء كان ذلك الواقع حسنا أم سيئا؛ ذلك لأن البارئ -عز وجل- ميز الإنسان وأعطاه العقل ليفكر به، والإرادة ليعمل بها، فهو من يجب عليه أن يختار الواقع الأسري والاجتماعي الذي يجب أن يبنيه ويشيده، وهو من يجب عليه صنع كل شيء وليس غيره.وهذا ما أنبأ به البارئ -عز وجل- في كتابه العزيز: “وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ”، وفي قوله تعالى: “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”؛ فالإنسان عندما يغير ما بنفسه من أفكار سلبية ويجعلها إيجابية، حتما سيمتلك الإرادة وقوة التغير، وسيحصل على الكثير من المقومات التي تجعل منه قادرا على تغيير واقعه المرير في أسرته ومجتمعه الذي يتعايش معه ويواكبه؛ لذا فإنَّ من ينظر إلى المجتمع العربي اليوم بمشاكله وآلامه ومحنه، يراه يعيش واقعا اجتماعيا صعبا فيه الكثير من السلبيات التي تشكل الكثير من نقاط الضعف الاجتماعي على صعيد المجتمع والأسرة والوطن؛ مما يسبب ذلك أيضا الكثير من المعاناة والالآم التي يجب تفاديها.ويرَى الكثير من الناس ذلك الواقع الاجتماعي المرير، فيهربون من تحمُّل مسؤولية تغييره، بل وهناك من يضع اللوم والمسؤولية على عاتق غيره فيتخلى عن مسؤوليته الأسرية والاجتماعية؛ لذا لابد أن يعلم أفراد المجتمع البشري أنَّ كل ما يُصابون به من آلام ومآسٍ ومشاكل ومصائب، فإنَّ مسؤولية إيجاد الحلول المناسبة تقع على جميع أفراد المجتمع وشرائحه المختلفة، وليس من الإنصاف أن يكون الإنسان من الجبناء كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال، يستهين بواقعه الذي يعيشه، بل يجب عليه قول الحق، والسعي لازدهار ونجاح المجتمع، ونقله من الظلمات إلى النور.. قال الإمام علي بن ابي طالب: “اصْبِرْ عَلَى مَرَارَةِ [مَضَضِ‏] الْحَقِّ وَإِيَّاكَ أَنْ تَنْخَدِعَ لِحَلَاوَةِ الْبَاطِلِ”.إنَّ التحديات التي يعيشها المجتمع اليوم هي كثيرة وكبيرة؛ فمن الواجب على شرائح المجتمع المختلفة الوقوف بحزم وعزم، جنبا إلى جنب للتغلب على تلك التحديات التي باتت تثقل عاتق المجتمع وأفراده، ومحاربتها بالعلم والعقل والحكمة والصبر والدراية؛ فذلك واجب اجتماعي يجب أن يتحمله الجميع، والاستفادة من أخذ الدروس من تلك التحديات والمشاكل والمصاعب التي يمر بها المجتمع، حتى يستطيع الجميع الوصول إلى النجاح فيما بعد.. الناس يواجهون المشاكل والمصاعب، ولكن العظماء هم من يستفيدون منها لينهلون منها التجربة والحكمة والعلم والصلاح، حتى لا يقعون في نفس الأخطاء مرة أخرى، وقد قال النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: “لا يُلْدَغ المؤمنُ من جُحْرٍ مَرَّتَيْن”.. فما هي تلك التحديات التي يجب مواجهتها؟سأتعرَّض هنا لبعض تلك التحديات التي يجب مواجهتها بالعلم والحنكة والعزيمة والصبر، فما هي يا تُرى:أولا: تحديات الالتزام بالقيم الإنسانية.. إن الالتزام بالقيم الانسانية كالقيم الفرديّة والعائلية والمهنية والوطنية والأخلاقية والروحية أصبح يشكل نوعا من أنواع التحديات الكبيرة على المجتمع، فقد كان المجتمع سابقا محافظا متمسكا بقيمه ومبادئه الانسانية والإسلامية، بينما اليوم صار يعيش الابتعاد عن القيم والمبادئ الأخلاقية والإنسانية والإسلامية، لذا بدأتْ تظهر بين أركانه الكثيرُ من المشاكل الأسرية والاجتماعية كالعنف والخيانة والكذب والنفاق وسرقة البيوت والأسواق، وانتشار المخدرات وإدمانها بين شرائح الشباب… وغيرها من المشاكل الأسرية والاجتماعية التي باتت تشكل تحديا اجتماعيا يجب على الجميع المساهمة الفاعلة في تغييره، وانتشاله من بين أركان المجتمع.ثانيا: تحديات صعوبة الحالة المعيشية في المجتمع.. كان آباؤنا وأجدادنا يعيشون حياة بسيطة لا تكلف فيها ولا عناء، سهلة مرنة، مبنية على التعاون والتآزر، عاشوا القناعة بكل معانيها وظروفها، أما اليوم فضغوطات الحياة المعيشية أصبحت صعبة جدا، فتَرى الكثير من أبناء المجتمع يبحثون عن حياة الرفاهية والراحة والاستقرار في وجود تضخم اقتصادي ومشاكل اقتصادية خانقة جعلت من المعيشة تحديا وواقعا لا يطاق، أثَّر على الكثير من أبناء المجتمع فأصابهم بالأمراض النفسية والجسدية كالاضطراب والاكتئاب والانطواء والتوحد… وغيرها، بل وحتى على مستوى المقاعد الدراسية ومصادر التعلم، فقد أصبح الطالب يجتهد للحصول على الشهادة الجامعية، وبعد الحصول عليها لا يستطيع الحصول على الوظيفة المرموقة التي تليق بشهادته ومستواه العلمي، فتراه يعيش القلق والتوتر، فأصبحت الحالة المعيشية اليوم تشكل تحديا خطيرا على الحكومات والمجتمعات؛ لذا يجب على الجميع العمل الجاد على تحدي الحالة المعيشية الخانقة، وخلق الأفكار المناسبة، وفرص العمل الجيدة، بهدف نقل المجتمع من الحالة المعيشية الخانقة إلى نحو حياة أفضل وأجمل.ثالثا: تحديات الأسرة المعاصرة.. قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ”.. إنَّ من أخطر التحديات التي تواجه الأسرة المعاصرة اليوم هي الفكر الغربي الممنهج الذي أصبح مؤثرا بشكل سلبي على الأسرة والمجتمع، والذي استطاع تغيير الفطرة التي فطر الله عليها الإنسان، ذلك أنه وفد على المجتمع العربي وسعى جاهدا لزرع الفساد والخمول والكسل في داخل الأسرة وذلك من خلال إضعافها، فأدخل الكثير من السلوكيات المنحرفة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فأثرت تلك الوسائل ببرامجها المختلفة على أفراد الأسرة، وسيطرت على مشاعر أفرادها، ففقدت أهم وظائفها النفسية والتربوية، واستطاع أيضا من خلال زرع البرامج ونشرها في أوطاننا العربية والإسلامية تعطيل دور الأسرة في بناء الشخصية القوية والسليمة في المجتمع؛ فكانت آثارها السلبية فادحة كالاستخدام المفرط لتلك البرامج، والتي من أحد سلبياتها اضطرابات الدماغ والشخصية الإنسانية، وهنا أيضا تقع المسؤولية على المجتمع وأفراده في النهوض بالشكل المناسب في تحدِّي المنهج الغربي الممنهج، وإيجاد الحلول المناسبة من خلال خلق برامج توعية ونشرها عبر الإعلام الصادق والنزيه…. إنَّ الغاية من مواجهة التحديات الاجتماعية هي الوصول لحياة كريمة هانئة لجميع أفراد المجتمع البشري، وهذا أمر ليس من السهل تحقيقه في ظل تواجد الكثير من المعوقات التي تواجه المجتمع، ولكن بالتوكل على الله والإيمان بأهمية التعاون والتآزر بين أفراد المجتمع الواحد حتما سيستطيع الجميع مواجهة تلك التحديات لنقل المجتمع إلى حياة أفضل وأجمل.