#مقال / يتجدد العيد.. والعهد بقلم: سلطان بن محمد القاسمي

اخبار الولاية
 في كل عام لنا موعد مع الثامن عشر من نوفمبر، احتفاء وابتهاجا بهذا اليوم الأغر، ليس لأنه مولد ملك أو سلطان وحسب، ومن حق تلك الولادة علينا أن تكون محط فخر واعتزاز واحتفال، إنما لأنه مولد عهد جديد من مراحل بناء الدولة ونهضة الأمة، ومسيرة الرقي بين شعوب العالم، في نظرية قيادية مبهرة تجمع بين الموروث الأصيل ومواكبة المستجدات في عصر السرعة والتطورات الجديدة.العيد الوطني الخمسون لسلطنة عمان، عيد ربط الماضي العريق بالحاضر المجيد، والمستقبل المشرق، عيد مزج بين الأصالة في الانتماء، والاعتزاز بالأجداد والأباء وبين الدخول في مضمار منافسة الآخرين في قطع الأشواط العلمية والاقتصادية والسياسية، عيد يظل علامة فارقة على يوم السعد الذي أطل فيها السلطان قابوس رحمه الله تعالى حتى استلم الراية من بعده السلطان هيثم حفظه تعالى، وليظل شاهداً على أن المجتمع العماني سيبقى انموذجا عالميا في الوحدة والشجاعة والتعبير عن حب الوطن وبناء الأمة، والحنكة السياسية في إدارة شؤون الحياة، وبناء العلاقات التي تعزز مكانتها، وتنشر السلام في ربوعه، كي ينعم أهله بالمسرات والافراح، ويستشعروا قيمة هذا الحب الذي يحيونه في واحاته وهضابه وسهوله.لهذا فهو عيد تستذكر فيه الإشراقة الأولى للمحبة والوحدة بين العمانيين، والتي عززت شمائل الخير في هذا المجتع، وأدركت أن المسيرة مسيرة شعب كريم مجيد، مسيرة لاينفصل فيها متقدم عن متأخر، إنما هي مسيرة الصف الواحد الذي يشبه البنيان المرصوص، وهذا ما جعل من أيامنا أفراحا، ومسرات، وربما لايدرك المرء لأول وهلة الفرح المهرجاني اليومي الذي يعيشه، لكنه حينما ينظر ويراقب المحبة بين الناس، والتعاون على البر، والايثار، والأمان، والفخر، وسبل العيش الكريم، سيوقن المرء وقتها أنه يعيش بالعيد الوطني أعيادا كثيرة، لكنها كلها تنتمي لذاك المولد الكريم، والتشريف الكبير، والكلمة الطيبة الجميلة والمسيرة المستمرة بسلطانها هيثم المعظم التي تشنف أسماعنا كل وقت.ومن دواعي الفخر أن يستشعر المواطن العُماني بانتمائه لهذا الوطن، وقيادته، واصالته، وأرضه، وسمائه، وهذا الفخر ليس من فراغ، أو هو مجرد شعور بالعاطفة تجاه أرض نعيش عليها وحسب، بل هو قضية أرواح تآلفت، ومشاعر تجذرت، ودموع امتزجت، وعهد نما وكبر، حتى أصبحت عُمان النبض الذي ينعش القلوب، والدم الذي يجري في العروق، والهواء الذي يملأ الصدر نقاء وطهرا.ثم أن الإنسان العُماني اليوم، لايحار كما يحار الآخرون في تلمس مواضع الاعتزاز بوطنه، أو مواطن السرور في مسيرة الحياة المجتمعية، فهو كمن يسكن في قصر بديع تجري من تحته الأنهار، ويجني من ثماره الطيبة اليانعة ما لذ وطاب، ومن يرى في ذلك شيئا من المبالغة أو الشاعرية، فليسأل العالم، أو الذين خرجوا إلى العالم وخبروا البلاد الأخرى، وعرفوا ما عرفوا منها، عندئذ سيدرك المرء النعمة العظيمة التي حبانا الله إياها في سلطنة عُمان، من أصول وجذور، وكرامة وظهور، وشعب أبيّ وغيور، وقائد باسل وجسور، وأرض تنبت كل شيء مما طاب وحسن، بل حتى السماء وغيثها يحنو علينا، فيروي واحاتنا الخضراء ليزداد ينعها وجنيها، وتزيد وجه الأرض خضرة واجمالا.وأكثر من خصوبة الأرض خصوبة نسلها، وطيبة أبنائها، وعنفوان شبابها، وثبات قادتها، وعلو مبادئها، فكل عمل في بلادي له أهله النجباء، ورعاته الأوفياء، وبُناتُه المخلصون، يسيرون في خطى واثقة لانجاز ما يوكل إليهم، سعيا منهم في الحفاظ على موقع دولتهم في المعالي، فيبذلون الغالي والنفيس، من أجل ذلك، وهم يشعرون بالرضا والسرور في عطائهم وإغداقهم.من هنا نقول إن من حسن طالع سلطنتنا أنها أنجبت قابوسها المعظم الذي رحل لكنه لم يغب، فقد خلفه هيثمها المعظم، لتتواصل مسيرة البلاد من قمة إلى قمة، ومن مجد إلى مجد، في صورة أبهرت العالم، وأبهجت المحبين، وغاظت المناوئين، وأرخت لمرحلة تأريخية وحقبة زمنية فريدة من نوعها، جديدة في ثوبها، عميقة في فهمها، لكي تبقى عُمان هي الأولى.. الأولى وليس غير.