مقال / سيدة النساء ✒بقلم/جابر حسين العماني

اخبار الولاية
تهتمُّ الأمم دائما بالاحتفاء برموزها وشخصياتها الفاعلة، لتُحافظ على أمجادها، وكرامتها، وتاريخها؛ احتراما وتقديرا لما تملكه هذه الرموز والشخصيات من وعيٍ وإدراك وتأثير مباشر في المجتمع البشري، فالأمة بحِكمة رموزها الصالحة، تستطيع التغلبَّ على الكثير من الصِّعاب الاجتماعية، والرموز والشخصيات الواعية هي من يسمو دائما بالمجتمع وأفراده إلى آفاق المعالي والازدهار والنجاح؛ وذلك بما أوتيت من قوة وفكر ووعي وصلاح لتجعل من المجتمع متفوقا بأخلاقه وعلمه وإمكانياته؛ ليكون دائما في مصاف المجتمعات المتقدمة…. إنَّ المتأملَ في تأريخ الأمة العربية والإسلامية، ليدرك جيدا أنَّ أكثر رموزها وشخصياتها تأثيرا هم الرموز والشخصيات الدينية والوطنية، التي كان ولا يزال لها الدور الفاعل بتقواها وشجاعتها وعلمها وإخلاصها وتفانيها في خدمة المجتمع وتوعيته، ونقله من ظلمات الجهل إلى نور العلم والفهم، والمتأمل في حال الأمة يرى بوضوح أنَّ التأثير على الأمة وهدايتها لم يكن حصرا على الرجال، وإنما كان للمرأة أيضا الدور الفاعل في إصلاح وتطوير ثقافة المجتمع عبر التأريخ.إنَّ التأريخ الإسلاميَّ يُذكِّرنا دائما بنساء أصبحن رموزا من رموز الأمة؛ لما يملكنه من إمكانيات وقدرات هائلة، حوَّلتهن إلى أهم الرموز الاجتماعية الخالدة التي عرفها التأريخ البشري بأسره.ومن هذه الرموز النسائية، التي تربعت على عرش نساء الأولين والآخرين إلى يومنا هذا بلا منافس، هي بضعة النبي المختار محمد صلى الله عليه وآله وسلم، السيدة الجليلة فاطمة الزهراء، التي قال في حقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:  “أَحَبُّ أَهْلِي إِليَّ فاطِمَة” [الجامع الصغير: ج1، ح203)]، والتي استطاعت بقوتها الإيمانية وإرادتها وشجاعتها وأخلاقها وعلمها تجسيد ما يُريده الإسلام الحنيف منها كامرأة وبنت وزوجة وأم.إنْ قِيلَ حَوّا قُلتُ فاطمُ فَخرُها // أو قيلَ مريمُ قلتُ فاطمُ أفضلُأفهلْ لحَوّا والدٌ كمحمدٍ // أم هَلْ لمريمَ مثلُ فاطمَ أَشْبُلُوتعدُّ السيدة الجليلة فاطمة الزهراء من أهم الرموز المثالية للبنت والزوجة والأم، فهي الأنموذج الأفضل للاقتداء؛ فمن قرأ تأريخها المشرف كبنت في بيت أبيها او كزوجة في بيت زوجها، أو كأم لأولادها الميامين الأطهار، فإن القارئ الكريم يقف متحيرا مذهولا متفكرا في ما قدمته هذه السيدة المباركة لبيتها ومجتمعها، فدخلت التأريخ من أوسع أبوابه، وخط اسمها بحروف من ذهب على جبين هذا العالم، وازدهرت قلوب المؤمنين بحبها وودها وولائها، ووقف العظماء من أهل الإنصاف إجلالا واحتراما لها، مع أنها لم تعش في هذه الدنيا البالية سوى ثماني عشرة سنة لا أكثر، لكنها قدمت الكثير لهذه الأمة، فأصبحت إلى يومنا هذا الأسطورة التأريخية التي يجب على الجميع احترامها وتقديرها وإجلالها، بل والاقتداء بها، والسير على هديها ونهجها الأخلاقي العظيم.فمهما بحثنا عن أفضل النساء إيمانا وأخلاقا وعلما ووفاء وتواضعا، فلن نَجِد أفضل وأكمل من شخصية فاطمة الزهراء.رُوي عن أبيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم قوله: “وَأَمَّا ابْنَتِي فَاطِمَةُ فَإِنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِينَ، مِنْ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَهِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي، وَهِيَ نُورُ عَيْنِي، وَهِيَ ثَمَرَةُ فُؤَادِي”؛ فهي التي استطاعت أن تقوم بكل واجباتها العبادية والأسرية، فقد كانت تقف في محراب صلاتها حتى تتورم قدماها، ومع ذلك فهي لم تقصر في خدمة بيتها وبعلها وأبنائها كانت تبذل قصارى جهدها لراحة زوجها وأبنائها، ومما روي عنها: “إِنَّهَا اسْتَقَتْ بِالْقِرْبَةِ حَتَّى أَثَّرَ فِي صَدْرِهَا وَ طَحَنَتْ بِالرَّحَى حَتَّى مَجِلَتْ يَدُهَا وَ كَسَحَتِ الْبَيْتَ حَتَّى اغْبَرَّتْ ثِيَابُهَا وَأَوْقَدَتِ النَّارَ تَحْتَ الْقِدْرِ حَتَّى دَكِنَتْ ثِيَابُهَا فَأَصَابَهَا مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ شَدِيدٌ”؛ فكانت عليها السلام تمثل البنت البارة بأبويها والزوجة المخلصة لبعلها، والأم التي تحسن وتجيد تربية أبنائها وادارة بيتها.فعلى المرأة في أسرتها أنْ تكون مقتدية بفاطمة الزهراء، مبتعدة عن كل ما يعكر صفو العيش الأسري والاجتماعي، كالكسل والضجر والاهمال وعدم تحمل المسؤولية، وأن لا تكون بنتا أو زوجة أو أما كسولة مهملة غير مبالية، كتلك التي تعرض لذكرها صاحب كتاب “سعادة الحياة الزوجية وتربية الأطفال بين السائل والمجيب” لعبدالعظيم المهتدي البحراني؛ حيث يقول في كتابه عن الزوجة الكسولة التي اتفق زوجها وأمه بتوريطها على النحو التالي:تسابق الابن والأم إلى المكنسة يتنافسان أمامها على الكنس، علها تخجل فتتقدم إليهما وتأخذ المكنسة بدلا عنهما، ولكنها تقدمت بالفعل، وفاجأتهما قائلة لزوجها بكل برود ونعومة صوت: لا داعي للنزاع يا عزيزي، فيوم أنت تكنس ويوم أمك!هذه المرأة وأمثالها هي نتاج التربية الفاسدة في منزل أسرتها؛ حيث وجود الثقافة الرخيصة التي لا تصنع إلا بشرا اتكاليين ضعفاء لا يعتمدون على أنفسهم، بل يلقون كل ما يريدون على غيرهم، وهي مشكلة أسرية تفشت في زماننا الحاضر في الكثير من المجتمعات التي خيم عليها البذخ والإسراف باسم التحضر والتمدن والرقي، وهذا ما يريده الغرب اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية؛ من خلال التركيز على السلوك الأخلاقي الغربي لإضعاف شخصية المرأة ومن هم حولها.فهنيئا لمن تسلحت بالاقتداء بأخلاق السيدة الجليلة فاطمة الزهراء عليها السلام، وجعلت من فاطمة الزهراء أنموذجا متميزا تقتدي به لتستطيع اللحاق بركب الناجحات في أسرتها ومجتمعها، ولتكون قادرة على تلبية مختلف وظائفها الأسرية والاجتماعية، في تأدية دورها الرسالي والاجتماعي.