#مقال /جديد لانتمناه.. وقديم حرمناه بقلم: سلطان بن محمد القاسمي

اخبار الولاية
تتسم حياتنا بالاستمرارية والتجدد، ودعوات علماء النفس والاجتماع والتنمية البشرية لا تنفك تدعو إلى التطلع إلى كل ما هو جديد، والتفاؤل سمة بشرية صحيحة سليمة، وهي منهجية أهل الإيمان، ودعوة الأنبياء والرسل، فلا قرار لنفس إلا بالتفاؤل، ولا عيش إلا بالأمل، واليأس ليس من أخلاق المؤمنين. وسط هذا النور هناك نور آخر ينبغي أن لا نغفل عنه نحن البشر، إنه الرضا بعد التفاؤل والأمل، لأن التفاؤل تطلع بشري يستند إلى ثقته بالله، فإن الرضا عمق إيماني يستند إلى توحيد الله فهو أشد الإيمان، وهذا يقودني إلى الحقيقة الكونية التي يعيشها العالم اليوم، والتي تتمثل بعام جديد جاء معبأً بالخوف والمرض والوباء، حتى لم يعد يصلح علينا دعو الداعي بأن يعيد علينا هذه الأيام، فإنها أيام لا نتمناها لأحد أبداً.. هذا يدعونا للتوقف عند تلك الحقيقة وذلك النور الذي يشع وسطها، والذي قلنا عنه أنه “الرضا”، لأن الرضا مرحلة متقدمة من الإيمان، تشبه الإحسان أو تناظره، فبينما نحن نترقب من جديد الأيام ما يبعث فينا الجديد، ها هو الجديد الذي لا نريد، ولا نحبه، لكنه قدر نجري إليه، ونعيشه، وهنا يبزغ الرضا بقدر الله، لتعود دورة الإيمان من جديد، تفاؤل وأمل، ثم رضىً وإيمان، وهكذا حتى يصبح جديدنا ليست الأيام والأعوام وإنما الجديد هو ما ينبع من دواخلنا، ويشع في نفوسنا، فيكون جديدنا هو ما يتجدد في نفوسنا، لا ما يتبدد في يأسنا وقنوطنا وتذمرنا.الآن دعونا نسأل أنفسنا هذا السؤال: أيهما أفضل؟ الماضي أم الحاضر، أم المستقبل المرتقب؟ بكل تأكيد ستكون الإجابة المرتقبة هي أن المستقبل غيب لايعلمه إلا الله، وأن الحاضر معاناة، ويبدو أن الماضي هو الأجمل!. هذا هو الجواب الأغلب، ومن الطبيعي أن نتحدث عن المستقبل بهذه النفسية لأننا لا نعلم من المستقبل إلا السنوات القادمة، ويفوتنا أن المستقبل هو اللحظة التي تحياها والأمل الذي تعيشه، والخطوة التي درستها وبنيتها وأطعمتها ليل نهار، لترجو منها ولو بعد لحظات أو ساعات أو ايام ثمرة ذلك، أو ما يقع للناس دون إرادة، فهل خبر من مصدر رسمي يؤكد أن الساعات القليلة المقبلة ستشهد زيادة في أعداد المصابين بوباء كورونا مثلا، هل هذا الخبر حاضر أو مستقبل، إنه حاضر يتوقع، ويستند إلى حقائق أودعها الله في الناس، أو أن يكون هو خبر مستقبل لكنه عند المختصين هو حاضر لانهم يشاهدونه، مما أريد أن اقوله، أن الحاضر مرتبط بالمستقبل، وأن تفاؤلنا وأملنا ينبغي أن يكون بالحقيقة المطلقة التي لايتحكم بها البشر وهي قدرة الله عزوجل الغالبة، والتي تدعونا إلى التطلع إلى الحاضر والمستقبل بعين التفاؤل والرضا، لا بمجرد يوم يمضي ويوم يأتي، فالجديد ليس بالآتي، لكن بالجديد في نفوسنا، والأمل أن كل عسر متبوع بيسر، والأيام دول بين الناس، والإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.الآن .. علينا أن نعرف جديدنا، وقديمنا، فنعزز الجديد بكل ما هو جميل من ذلك القديم، لأن الجديد صناعة تراكمية، وأمل متجدد، والإضافات التي تحدث لكل واحد فينا هي ما نسميه اليوم بناء الشخصية وتطوير المهارات، وأعظم تلك المهارات؛ التفكير المتجدد، والمبدع، والإيجابي، والنظرة إلى الحاضر بوعي وإدراك، قائم على استلهام القديم النقي في مستقبلنا الآتي، لأن الحاضر هو لحظة كانت يوماً ما مستقبلاً، فأنا أحدثك الآن ومضى منك حاضر ووفد إليك مستقبل، فاترك المسافات الزمنية وعش واقعا جديداً كله مستقبل وهذا المستقبل هو ماضيك أنت وحاضرك اللحظي، فأين أنت؟ وأين أنا؟ لا تقل غداً قل الآن ابدأ، لأننا نعيش حالة بتنا لا نتمنى فيها الجديد، ونحاول أن نعود إلى الماضي وهو محال، فنحن بين جديد لانتمناه وقديم حرمناه، وهذه نتيجة لتفكيرنا القاصر على الفواصل الزمنية وكأننا نلقي محاضرة بالتاريخ، والأمر ليس كذلك، فنحن نتنقل بين الأزمنة باللحظات، والعاقل فينا من يحزم الأمتعة ويستمر في بناء لبنات واقعه فهو مستقبله، والأمر كله بيد الله.. وقد أمرنا جل وعلا باتباع سبيل الحق في الحياة القائم على السنن الكونية وليس الاختراعات الذهنية غير المنطقية، وأن نسعى بكل ما أوتينا من قوة أن نبني المستقبل بالحاضر، والذات بالإرداة والأمل، ثم الرضا مناط الأمر كله.الآن .. لنعد التفكير في خطواتنا ووقتنا، ودعونا نقلل من الهدر في العمر، ونركز على إنشاء شخصياتنا بصفتها جزءا من كيان واسع ضمن هذا الكون، ليكون مستقبلنا-  دائما وأبداً – محل رضا لنا، وفخر للأجيال القادمة، وأن نترك تمتمة العاجزين، وهمهمة الناقمين، ووهدة الغافلين.مستقبلنا بين ايدينا .. فلنعمل ونجد.. وعلى الله التكلان