مقال: مسائل ليست من إختصاص المحاكم بقلم: ظافر بن عبدالله الحارثي

اخبار الولاية
مقال: مسائل ليست من إختصاص المحاكم
بقلم: ظافر بن عبدالله الحارثي
بالرغم من وجود مبدأ المشروعية والذي يقصد به خضوع الهيئات الحاكمة وسلطات الدولة المختلفة لأحكام القانون من حيث التشريع والتطبيق بل وإحترام تدرج القواعد القانونية ومرتبتها، إلا أن تعد مبدأ نظرية السيادة استثناءا لها، بحيث أن أعمال السيادة في المطلق لا تخضع لرقابة القضاء فالنصوص التشريعية هي التي أعطت هذه المكنة القانونية للإدارة.
إن فكرة أعمال السيادة ترجع إلى فرنسا، أما عن نشأتها فكانت بسبب الظروف السياسية آنذاك هناك والتي إنتهت بإطاحة الملكية وقلبها إلى جمهورية، مما اقتضت الحاجة لإيجاد نظام قضائي جديد يعرف هناك (بمجلس الدولة الفرنسي) وكانت الإنطلاقة لوجود قضاء من نوع خاص يتعلق بفصل النزاعات التي تكون الدولة طرفًا فيها بصفتها صاحبة سلطان وسيادة وهو ما يعُرف في سلطنة عمان (بالقضاء الإداري)، بحيث إنتقلت هذه الفكرة من فرنسا إلى مصر من ثم إلى أغلب دولة العالم، هذا القضاء يقوم بفحص كل المسائل ماعدا الأعمال السياسية، وما يتعلق بنظام الحكم، والمسائل ذات العلاقة بالأمن العسكري وغيرها.
تقوم فكرة أعمال السيادة على إخراج بعض الموضوعات من اختصاص الجهات القضائية بالمجمل (أي القضاء الاداري والقضاء العادي)، هذه الأعمال تتمثل في الاتي:-
أولا/ الأعمال التي تتعلق بعلاقات الدولة الدولية والدبلوماسية (كقطع العلاقات، أو إغلاق السفارات وغيرها).
ثانيا/ الأعمال المتعلقة بالعمليات الحربية في المطلق (منها على سبيل المثال إعلان الحرب وتحريك الجيش).
ثالثا/ الأعمال التي تكون ما بين السلطة التنفيذية وبين السلطات الأخرى في الدولة.
رابعا/ الإجراءات الأمنية التي تحقق الإستقرار الدولة (كإغلاق المنافذ، أو منع السفر وتعليق الطيران وغيرها)، إلا بهذا الخصوص لابد من الإشارة على أن العلاقات الأمنية التي تكون بين الشرطة والأفراد لا تعتبر عملا سياديا.
إن من المعايير التي قررها الفقه القانوني ما إن كان العمل سياديا أو لا:-
١- الباعث السياسي، ويقوم على أساس السبب الذي دفع الحكومة لإتخاذ هذا العمل.
٢- طبيعة العمل، ويقوم هذا المعيار على تفرقة العمل ما إن كان عملا يتعلق بالمواطنين، أو كان لمصلحة الوطن أي أنه متعلق بالنظام العام.
٣- المعيار القضائي، ويقوم على أن القضاء هو الذي يقرر بعد الفحص ما إن كان العمل سياديا أو لا، وهو الاتجاه الذي رست عليها سلطنة عمان.
إلا أن الجدير بالذكر هذه المعايير بعضها انتقد وبعضها فندت من قبل الفقه القانوني والفقهاء.
لقد أشارت المادة (٧) من قانون محكمة القضاء الإداري بأنه ” لا تختص المحكمة بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة أو بالمراسيم أو الأوامر السلطانية”، مما لا يخرجها وحدها في النظر لهذه الأعمال فقط وإنما ينطبق هذا الأمر على القضاء العادي أيضًا، وبالتالي الاجابة على من يتسائل ما هو الأساس القانوني الذي استندت عليها نظرية السيادة؟، بكل بساطة واختصار من المشرع؛ والجدير بالذكر بأنه هناك أيضًا مسائل أخرى لا تختص بها المحاكم بقوة القانون كمسائل الجنسية ذا العلاقة بمنح الجنسية أو وردها وسحبها وإسقاطها.
والجدير بالذكر هناك ما يسمى بنظرية الظروف الإستثنائية والتي أيضًا ولدت في فرنسا، وتتمثل في أن بسبب حدوث ظروف إستثنائية تتخذ الدولة مجموعة من الاجراءات أو تصدر بمناسبتها بعض القرارات والتي أحيانًا في مضمونها قد تكون مجحفة بحق الفرد، فإذا ما تقدم أحدهم بدعوى ضرر، قد يتفاجئ بحكم المحكمة بعدم اختصاصها؛ هذه الظروف تتسم بالخطورة وإذ ما تحققت تترك ضررا جسيمًا، ولكن في المقابل يشترط أن تكون هذه الاجراءات ضرورية أي أن لا يمكن دفعها بطريقة الإجراءات العادية (المشروعة)، وقولا واحدًا لابد أن تكون قائمة على حماية مصلحة الدولة ومواطنيها والمقيمين فيها، كما أن هذه الإجراءات التي أتخذت بسبب هذه الظروف لابد أن تتوقف مع توقف الخطر المهدد، وعلى أن تتناسب مع الخطر، واخيرا بعد ذلك على الادارة أو الحكومة أن تعمل على تعويض المتضررين؛ ولربما أكثر مثال نعيشه في هذه الفترة والذي يتعلق بهذه النظرية هي جائحة كورونا.
ففكرة نظرية الظروف الاستثنائية قائمة على أحقية السلطة التنفيذية (الحكومة) في اتخاذ التدابير الاستثنائية الملائمة لمواجهة حالة الضرورة والظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد، تكون هذه الظروف من شأنها المساس بكيان الدولة أو الاستقرار الاجتماعي أو تهديد الأمن القومي، إلا هذه النظرية كما أشرت لا تخلوا من الشروط والضوابط التي تشكل أهمية بالغة في مدى اعتداد صلاحية قيام الإدارة من عدمها، بحيث لا يعد تصرفها خروجًا على الصلاحية القانونية.